القولبة و تصنيع الصورة النمطية

 

القولبة و تصنيع الصورة النمطية

قد يتعرض الانسان لموقف ما في حياته فيصدر بسببه حكما عاما تجاه ما يتعلق بذلك الموقف و هذا ما يسمى " التعـميم" .

و يحدث التعميم بشكل لا ارادي , خاصة لان عقولنا محدودة و حوادث العالم فـكثيرة و غير محدودة و بالتالي يصعب على عقولنا أن تستوعبها جميعا لنغص المعرفة و المعلومات و لذا قد يلجأ الإنسان إلى إصدار الاحكام العامة على تلك الأحداث . و التعميم يختلف تماما عما يسمى بالقولبة أو ما يعرف باسم الصورة النمطية . إن مفهوم الصورة النمطية “stereotype” مفهوم مستعار من عالم الطباعة و يعني الصفيحة التي تستخدم في انتاج نسخ مطابقة للأصل

تم استخدام هذا المصطلح  ليعبر عن ميل الانسان لاختزال المعلومات و أن يضع الناس و الاحداث في قوالب عامة جامدة أو أن يصدر عليهم حكما متعجلاغير مدروس . فالقولبة  “stereotype” هي أن يتعمد الإعلام  تشويه الحقائق حول شخص ما أو فئة معينة أو شعب بأكمله و يرسخ في أذهان الناس صورة نمطية مشوهة حول هؤلاء بخطة محكمة بالغة الدقة .

و تزداد خطورة الفولبة و التنميط في أيامنا لأن وسائل الإعلام أصبحت المصدر هي الرئيس لكل أفكارنا و تصوراتنا  عن الدول  الشعوب و الثقافات و الديانات و غيرها

كيف تحدث القولبة ؟  يتم إنتاج القولبة أو الصورة النمطية و التي هي عدوان معنوي متعمد و مخطط له تم بالطريقة الآتية ِ

تبدأ بالصاق و تعميم صفات سيئة منفرة سلبية ضد الفئة المستهدفة .

ثم تقوم وسائل الإعلام بتضخيم تلك الصفات و تبالغ فيها و تكررها و تبرزها حتى تترسخ في الأذهان و تتلاشى أي جوانب إيجابية أخرى في صورة المستهدف . ثم تـاتي مرحلة البحث عن أي مواقف تتعلق بالفئة المستهدفة كي تعرض بطريقة مخالفة للحقائق لتأكيد الصورة النمطية السلبية وفق الخطة المرسومة .

و بمرور الوقت تترسخ الصورة النمطية السلبية و تصبح كالحقيقة في عقول الناس خاصة مع تنوع أساليب عرضها باستخدام وسئال الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية و ربما بالأفلام السنيمائية أيضا , و إذا ما نجحت عملية القولبة و تم تصنيع الصورة النمطية  السلبية فإن الضحية يجد من الآخرين مشاعر الكراهية أو الاحتقار و أحيانا يخافون منه و في أحيان أخرى يصل الأمر إلى الرغبة في التخلص منه مما يجعله أحيانا معرضا للخطر .

يا لها من عملية عدوانية بشعة. ينسج الإعلام الخبيث خيوطها بدقة و صمت و مهارة و عندما تم إدراك خطورتها وُضعت لها القوانين الأخلاقية الإعلامية حيث نصت عشرات المواثيق الإعلامية على عدم التصوير النمطي لأي اتجاه فكري أو سياسي أو جماعة عرقية أو دينية ,  و لكن على الرغم من تلك القوانين و القيود تظل القولبة و تصنيع الصورة النمطية السلبية من أخطر ما تقوم به وسائل الإعلام الجائرة , و من أشد أشكال الاعتداء و الظلم الذي يتعرض له البشر في هذا العصر و يهدد بانفجار الكثير من الصراعات و تزيد من حدة الكراهية في العالم و تبرر الإعتداء على ضحايا الصورة النمطية السلبية و تجعل الإعتداء عليهم شيئا مبرراً و مشروعاً